موضوعات من نفس الباب
ملاحظات
الألتراس.. وصناع الفتنة!
الموضوعات الاكثر قراءة
بريد الجمعة يكتبه: احمد البري
الصراخ المكتوم! [20076]
إقالة رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة [4565]
رومني يتفوق علي أوباما في الجولة الأولي
من المناظرات المباشرة في معركة الرئاسة
[3854]
تقصي الحقائق تطلب إعادة محاكمة مبارك والعادلي في قتل المتظاهرين [3717]
الاتفاق في التأسيسية على بقاء المادة الثانية دون تعديل و الإنتخابات البرلمانية بعد60 يوما من الاستفتاء علي الدستور [3497]
الصفحة الأولى | الاعمدة
بساط الريح
يوم مات جمال عبد الناصر(2)
سأل الشافعي: ماذا بعد الموت
بقلم: صلاح منتصر
809
لو سئل الأستاذ محمد حسنين هيكل عن أقسي يوم عاشه منذ بدأ عمله في الصحافة قبل70 عاما ـ أطال الله عمره ومنحه الصحة والعافية ـ فليس عندي شك أنه سيقول يوم28 سبتمبر1970.
فقد سبق هذا اليوم أطول مؤتمر قمة عربي دعا إليه جمال عبد الناصر بصفة عاجلة لإنقاذ الفلسطينيين بعد الإشتباكات العنيفة التي جرت في الأردن بين الأردنيين والفلسطينيين ووصف الشهر الذي جرت فيه بأيلول( سبتمبر) الأسود. وقد إستجاب الملوك والرؤساء للدعوة بإستثناء سوريا والعراق والجزائر والمغرب واستمر المؤتمرلمدة خمسة أيام من23 إلي27 واصل عبدالناصر جهوده خلالها لوقف نزيف الدم العربي, وإستطاع بالفعل أن يوقف فورا العمليات العسكرية بين الأردن والفلسطينيين وتحقيق مصالحة بين ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والملك حسين.
إقامة دائمة في الهيلتون
خلال أيام المؤتمر أقام جمال عبد الناصر بصفة دائمة في فندق الهيلتون الذي خصص لإقامة الملوك والرؤساء. وأقفز من يوم الوفاة لأنقل من مذكراتي بتاريخ12 أكتوبر1970 ماسجلته في هذا اليوم وهو: حكي لنا الأستاذ هيكل في إجتماع الدسك المركزي اليوم وكان قد غير مكانه منذ وفاة الرئيس عبد الناصر من صالة التحرير إلي الغرفة الملحقة بمكتبه وبها مائدة مستديرة كنا نجلس إليها معه عندما يدعونا للإجتماع. فرغم صلابة الأستاذ وقوته في إجترار الحزن إلا أنه كان واضحا أنه تحاشي من لا يألفهم. ومع أن الأستاذ مشهور بهواية ربطات العنق العديدة التي يختارها ويحب تغييرها, فإنه منذ وفاة عبد الناصر أصبح يرتدي ربطة عنق سوداء إستمر يرتديها مدة شهر كامل وبعدها حتي اليوم أصبحت جميع ربطاته داكنة اللون.
قال لنا الأستاذ هيكل إنه وهو يراجع نوتة مذكراته فقد وجد من بين ماسجله خلال إقامته أيضا في فندق هيلتون مع الرئيس أيام المؤتمر( ليس بصفته الصحفية وإنما بصفته الرسمية كوزير للإعلام منذ مايو1970 وعضو في الوفد الرسمي لمصر). يحكي الأستاذ: كنا في اليوم الأخير للمؤتمر وفي الساعة الثانية عشرة قبل الجلسة الختامية طلب عبد الناصر سندوتشيين سندوتش جبنه والثاني روزبيف. ونظر عبد الناصر إلي طبق السندوتشات التي وضعها موظف الفندق أمامه وقال لهيكل: يعني الحكاية واحد.. لو طلبت سندوتشات في البيت مافيش فرق, إمال هيلتون إيه اللي بتحكوا عليه ؟ قال هيكل: يافندم ماهو أصل محدش في الهيلتون يطلب سندوتشات. قال عبد الناصر: إمال عاوزني أطلب إيه ؟ أجاب هيكل ضاحكا: فيه حاجة إسمها جمبري وشوب بيرة ساقعه. قال عبد الناصر هازئا: بسوس!!( يقصد قرية بسوس التي ولد فيها هيكل وكان عبدالناصر يقولها كما لو كان يذكر هيكل بالقرية التي نشأ فيها) ثم أضاف بدهشة: وكمان عاوز تشرب بيرة الساعة.12
ويكمل الأستاذ هيكل فيقول إن عبد الناصر نظر إلي أنور السادات الذي كان حاضرا مع حسين الشافعي وسأله: حرام ولا حلال الشرب ياأنور ؟ قال السادات: إذا كان دوا ما أظنش يبقي حرام. عاد عبد الناصر ووجه نفس السؤال إلي حسين الشافعي الذي قال له: حرام ياريس. قال عبد الناصر وبطريقة فجائية حاجة غريبة.. إيه بعد الموت ؟ قال حسين الشافعي: معروف ياريس فيه نار وفيه جنة وفيه حور وأنهار من اللبن والخمر. قال عبد الناصر بشعور من الراحة: الله يريحك.. كده الواحد يبقي مطمن لما يموت.
ليلة المفاجآت والأحداث
واعود إلي مابدأت به عن أقسي ليلة عاشها الأستاذ فبعد أن خرج من إجتماع الدسك كما حكيت في الأسبوع الماضي سعيدا لأنه سيذهب مباشرة إلي بيته وينام معوضا تعب أيام مؤتمر القمة المرهقة, فإنه ماكاد يصل إلي مكتبه حتي جاءه الخبر المفزع, فنزل سريعا إلي منشية البكري وعاصر النهاية. وفور تأكده من قضاء الله, بدأ هيكل عمله كوزير للإرشاد, فكان أول مافعله أن إتصل بكبير أمناء رئاسة الجمهورية وطلب منه مراسم إعلان وفاة رئيس الدولة..وكانت آخر هذه المراسم في مصر يوم وفاة الملك فؤاد في عام1936. وبعد ذلك جلس هيكل وأعد كوزير للإرشاد بياناعن وفاة الرئيس, ثم كان رأيه للذين كانوا موجودين في بيت الرئيس عبد الناصر إستدعاء أعضاء مجلس الوزراء واللجنة العليا للإتحاد الإشتراكي ومعهم الأطباء الذين كانوا حول عبد الناصر, وقد جاء الجميع علي عجل وما أن إكتملوا حتي قرأ عليهم هيكل بصوته الذي إستطاع أن يغالب الحزن البيان الذي كتبه, وكان رأي أنور السادات أن يعيد هيكل قراءة البيان أمام ميكروفونات الإذاعة والتلفزيون, ولكن هيكل رفض مؤكدا أن السادات وهو نائب رئيس
هو الذي يجب أن يلقيه, مضيفا إنه في هذه اللحظات من المهم أن يسمعه الناس ويرونه حتي يشعروا أن إنتقال السلطة تم فعلا.
ومن منشية البكري بعد جلسة لم يستطع أن يخفي حاضروها صراع السلطة وشارك فيها هيكل بالرأي محاولا ضبط حركة التاريخ بعد رحيل الزعيم, جاء هيكل إلي الأهرام وجلس وكتب خبر الوفاة في صفحة كاملة تمثل درسا صحفيا في كتابة مثل هذا الخبر.
وفي الساعة الواحدة والنصف صباحا غادر هيكل مبني الأهرام وهو الذي كان مقررا أن يغادره في الخامسة والنصف مساء ليذهب إلي بيته وينام. وفيما بعد وكنت أسأله عن هذا اليوم الحزين, قال لي إنه لم يدخل سريره في تلك الليلة إلا بعد أن جلس وكتب مذكراته عن الأحداث التي عاشها, ومنها إجتماع الذين جلسوا في صالون بيت عبد الناصر يملأ وجوههم الحزن بينما ملامحهم تحاول إخفاء مابداخلهم من صراعات إنفجرت بعد ذلك!