الخليج الفارسي - القراصنة والاستعمار الجديد

د. عبد السلام زيان

باحث انساني تونسي

سيدخل قاموس الدول العربية القريبة من الخليج الفارسي كلمة فرنسية جديدة وهي Les indigenes أي المتوحشون ، هكذا يلقب الفرنسيون الشعوب التي يحولونها إلى عبيد.

القاعدة الفرنسية بمنطقة الخليج الفارسي وكل الجيوش الغربية الأخرى الموجودة الآن بالبحار المحيطة بالجزيرة العربية والبحر الأحمر هو بداية لاستعمار المنطقة ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تتحرك الجيوش الغربية لضرب القراصنة بجنوب شرق آسيا وبالخصوص بجنوب ما يسمى ببحر الصين الذين يهددون الملاحة العالمية ويسفكون بدماء البحارة يوميا منذ أكثر من عشرين سنة ولماذا لم يضربوا القراصنة الأفارقة بالمحيط الأطلنطي .... الخ لكن جمع الغرب من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه جيوشه واتجه للمشرق لأنه يعرف أنه لقمة سهلة يمكن احتلاله ، الغرب لا يتجرأ ان يدخل في حرب مع الآسيويين وحتى الأفارقة لأنه واع بأنه لن ينجح ....

كما سنرى التاريخ يعيد نفسه كل لحظة بالنسبة للأغبياء فقط الذين لا يتعلمون من تجارب الأجداد ، نظرة الغرب العنصرية للشعوب الأخرى لم يحدث فيها أي تغيير يذكر في القرون الأخيرة.

بمناسبة فتح أول قاعدة حربية فرنسية خارج فرنسا منذ ان تركت مستعمراتها في أواسط القرن الماضي إما مهزومة مثلما ما حدث لها بالجزائر مثلا أو عن طريق اتفاقيات سرية مع مجموعة من أهل البلاد سلموهم الحكم على شرط أن يكونوا العبيد المطيعين لها ويخدمون مصالحها ها نحن نشاهد الآن الاستعمار البشع العنصري يرجع من جديد للمنطقة مدعين أنهم سيحاربون القرصنة.

الرئيس الفرنسي السيد ساركوزي صرح منذ فترة بأن استعمار فرنسا للشعوب المغلوب على أمرها في القرون الأخيرة كان ايجابيا ويقول عن طريق الاستعمار نشرنا رسالتنا الحضارية وطلب رسميا ان يحدث تغيير في كل الكتب المدرسية بفرنسا عن تلك الفترة ... الخ من الدعاية العنصرية القذرة الغربية. ( مع العلم انه بشمال إفريقيا هناك من سبق الرئيس الفرنسي بعشرات السنين وقبل أن يتجرأ أي غربي أن يمجد الاستعمار حيث يقولون هؤلاء العلماء les savants عن الاستعمار الفرنسي " الحماية الفرنسية"! متى حمت فرنسا مستعمراتها وممن حمت فرنسا المنطقة أيها العبيد؟ )

السيد ساركوزي ألقى قنبلته النووية ليجس شكليا نبض الشارع بالمشرق ، بطبيعة الحال لم تكن هناك أي ردة فعل جدية من طرف المغلوب على أمرهم ، كتب واحد وآخر بعض الكلمات وندد بما قاله السيد الرئيس ونسينا ما قاله، وان لم تخني الذاكرة الذين تحركوا أظن ان أكثرهم كان من الجزائر.

السيد ساركوزي واع بما يحدث من جرائم يوميا باسم الدولة والوطن والدين بالمشرق ، ويعرف جيدا ان السلطان بالمشرق منذ أواسط القرن العاشر تقريبا يعمل فقط من أجل الحصول على ثروة البلاد والسلطة ويشنق كل من يعترض طريقه وأظن أن هذه الأسماء وكيف داروا شؤون الدولة بالأندلس غير غريبة عنه Aben Muneza - Aben Gamea -Abdelmumen - Cid Abu Muhamad Almanzor - Cid Abu Muhamed - Cid Abu Ali ...الخ من مئات الأسماء الذين حكموا الأندلس وتعاونوا مع المسيحيين لضرب جيرانهم ، ويعرف جيدا ان المشرقي يحتل المرتبة الأولى بالعالم في الدسائس والتآمر على جاره وأخيه وأمه وأبيه من أجل الكرسي ويعرف ان سلاطين زمننا هذا هم نسخة مطابقة للأصل لسلاطين الطوائف بالأندلس وإرهاب الدولة تجاه المواطن هو نفسه .

السيد ساركوزي يعرف جيدا ان الذين تنتهك الدولة بالمشرق ذاتهم الإنسانية باسم القانون والنظام والوطن يتمنون رجوع المستعمر لينالوا قليلا من الحرية.

السيد ساركوزي يعرف جيدا ان المشرقي رضع من ثدي أمه مفهوم " الولاء لأولياء الأمر حتى وان كانوا فاسقين " وهذا لماذا لن يحدث أي تطور في صالح الإنسان بالمنطقة وسيبقى المشرقي عبدا مطيعا لأي كان ، ويعرف جيدا ان المشرقي منذ ان شاهد النور ظله هو الخوف من كل شيء سواء كانت السلطة او العفاريت والجن ، والفرد ليس له أي مكانة بالمجتمع .

(في الحقيقة ليست المرة الأولى يتدخل فيها الجيش الفرنسي بالمشرق لإنقاذ سلطان وآخر قامت ضده ثورة، لكن لأول مرة يتمركز رسميا بمكان بالمشرق وأخذ المبادرة الأولى للاستعمار المباشر.)

تدعي الحكومة الاستعمارية الفرنسية حاليا بانها تمركزت بالخليج الفارسي لمحاربة القرصنة البحرية التي يديرها بعض الشباب العاطلين عن العمل والمجاعة تهدد حياتهم يوميا ،وأظن ان الغرب هو الذي خرب بلادهم بدعوى الإصلاح والديمقراطية وحرية الكلمة وحقوق الجرذان ... الخ من الشعارات البالية.

نفس الجمل ونفس الكلمات ونفس المسرحيات ونفس المنطق العنصري قاله أجداد ساركوزي عندما احتلوا الدول بالعالم.

ما يسمون بقراصنة الخليج الفارسي في الفترة التي بدأ فيها الغرب يتوسع ويستعمر ما يسمى بالعالم الثالث كانوا مجموعة من الوطنيين يدافعون عن أرضهم وحتى عن الشعوب الأخرى الغير الإسلامية وحسب المراجع الغربية كانت لهم علاقة حميمة بالوهابيين ، ونجدهم زعزعوا وهددوا مصالح دولة الإنجليز عندما ضربوا بواخر شركة Hounorable east india company التي لعبت أكبر دور في التاريخ منذ بداية القرن السابع عشر في احتلال الشعوب وإرغامهم على تناول حتى الأفيون ..... ، لكن أظن الآن ليس هناك أي نوع من القرصنة البحرية بالخليج الفارسي ، والمقاومة ضد الوجود الغربي محدودة جدا أو كما رأينا في الأسابيع الأخيرة وحتى قبل ذلك يتم استقبال العساكر الغربيين بالورود .... فلماذا يريد معالي الإمبراطور ساركوزي قاعدة حربية بالمشرق ؟

الغرب في ذلك العهد هيأ الرأي العام الداخلي فترة طويلة وكتبوا الكثير عن القراصنة قبل ان يتجرؤوا على احتلال المنطقة بدعوى نشر النظام بالبحار وحماية اقتصادهم ، لكن تصرفاتهم تجاه المشرق الآن تختلف كل الاختلاف عن ذلك العهد ، حيث نراهم في ذلك العهد كانوا يردون على هجمات " القراصنة" فقط وكانوا يهابون العرب ، آما الآن عرفوا مع من يتعاملون لأن هناك من بين العرب وأعني هنا ما نسميهم بـ " الأنظمة" من يطلب رسميا وعلنا من الغربي استعمار بلاده .

لقد كتب الغربيون الكثير عن القرصنة البحرية بشمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وسواحل الجزيرة العربية ، واستغل الغربيون كذلك الذين يلقبونهم بالقراصنة لتصفية حساباتهم بين بعضهم .

أظن وحسب ما فهمت من الغربيين ، الذين قيل عنهم بقراصنة في ذلك العهد هم في الحقيقة وطنيين رفضوا الاستعمار الغربي .

لمحة بسيطة عن القرصنة البحرية عندما بدأ الغرب يتوسع في القرون الأخيرة :

يقول حرفيا Morrier (1) : ص 174 : تميز العرب في كل الأزمنة بحبهم للتجارة والنهب والسلب ، وشهر العرب بالتجارة والملاحة والقرصنة. من عهد محمد هناك قبيلة شهرت بالقرصنة ، وحسب Ebn-Haukel زعيم هذه القبيلة من القراصنة تم ذكره بالقرآن " هنا أرى ان الكاتب يكتب حسب زعمه آية باللغة الفرنسية تقول : الملك الذي يستولي بالقوة على كل السفن " ، ( لا أعرف من زاويتي هل هناك فعلا آية تكلمت عن القراصنة أم لا وأظن أن الكاتب يعني هنا الجغرافي ابن حوكل )

القوات البرتغالية تتعرض دائما لهجمات عنيفة من طرف هؤلاء القراصنة ، وفي نفس الفترة كبدوا الإنجليز خسائر فادحة لتجارتهم مع الهند ، إلى درجة ان مندوبينا ببلاد فارس طلبوا رسميا عدة مرات من الحكومة ان يتدخلوا عسكريا بالمنطقة ، وهناك مندوب أعلن حسب ما يظهر الآن هؤلاء القراصنة سيصيرون بالمحيط الهندي مصدر أذى مريع مثل الجزائريين بالأجزاء الأوروبية ، بعض سفنهم يحمل بين ثلاثون وخمسون مدفعا، ولهم عدة أساطيل بحرية ومن بينهم أسطول يتكون من خمسة بوارج يحملون بين ألف وألف خمس مئة مقاتل. يهاجمون بواخر كل الدول ولا يحترمون حتى بواخر الأسطول الإنجليزي ومنذ خمسة سنوات اختطفوا باخرة Minerve التي كان يرأسها Capitaine Hopgood ، الحكومة الإنجليزية علمت بالعلاقة المتينة بين هؤلاء القراصنة والوهابيين ... ولكي ينتقم الإنجليز دفاعا عن شرف بلادهم أعلنوا ان كل المواني التي تستقبل أو استقبلت سفن القراصنة هم أعداء وشنوا الحرب عليهم ، وقرر الإنجليز إعلان الحرب على الذين يستعملون العنف فقط لكي لا يدخلوا في صراع مع الوهابيين .

ص 176 : يقول الكاتب : يمكن لنا أن نفصل قبيلة Joassmi عن الوهابيين لأنه بعد معاهدة بيننا وبينهم اعترفنا بهم كدولة مستقلة ....

ويقول هنا الكاتب (2) :

ص 368 : بحار الهند والصين يشاهدون دائما علم الإنجليز المسيطر عليهم يرفرف في مياههم. وسياسة الشركة الإنجليزية التي هي أكثر تنويرية من طموحة ، تقرأ حساب كل حاجز ، متأهبة لكل خطر يعترض طريقها ، تكتشف كل مصدر للربح . أسست علاقات مع مصر واليمن وإثيوبيا ، لكي تكون تجارتها في أمان بالبحر الأحمر. تدعم القوة البحرية الصغيرة لإمام مسقط ، لكي لا تظلله وتحرس الشرق الإفريقي ( زنجبار) وجزء من سواحل العرب ، وهنا يمكن للدول الغربية الأخرى الاستيطان ان لهم رغبة في ذلك ، ونقوم بتطهير الخليج الفارسي من القراصنة العرب الذين يعترضون الآن طريق التجارة بين بومباي والبصرة .... ثم يواصل الكاتب الكلام عن الجيش الشجاع الإنجليزي الذي يصول ويجول في مناطق ببلاد فارس والهند وصحاري لم تطأهم أقدام البشر منذ عهد الأسكندر الأكبر ....

معالي الإمبراطور يقول علماؤكم عن أجداد هؤلاء Les indigenes الذين ستقومون باحتلالهم وإذلالهم الآن ما يلي : (3) حكم اسبانيا قبل دخول العرب بفترة وجيزة الوندال و les Goths ثم قدم العرب من قلب الصحراء وأسسوا دولة عظيمة وبدؤوها من صفر (ص 327 )

الخاتمة :

تهانينا لسركوزي والفاشيون العنصريون الجدد بالغرب .

وليواصل علماء ومفكري المشرق البحث عن البيضة والدجاجة ومن كان منهما الأول عن طريق الـ logos هذا الرب الجديد الذين يروجون له وكأنهم هم فقط لهم عقول ، والآخرون باسم الحداثة وما بعد الحداثة ينشرون عنصريتهم القاتلة تجاه بعضهم ، فهذا سني يظن انه يملك الحقيقة ويشتم الشيعة وهذا شيعي يشتم السنة وهذا مسلم يشتم الأقباط وهذا قبطي يشتم المسلمين، وهذا بربري يشتم العرب ويتكلم عن احتلالهم لمنطقة ولا يذكر قط الاحتلال الفرنسي .... الخ من المهازل ، ونسوا ما يحدث بجوارهم.

مرة أخرى تهانينا للغرب.

1 – Voyage
En Perse en Armenie
en Asie mineure et Constantinople
Fait dans les annees 1808 et 1809
Par M. Jaques Morrier
Secretaire d ambassade a la cour de perse
Traduit de l anglais
Tome second
Paris
MD CCC XIII

2 – Nouvelles Annales de voyages
De la geographie et de l histoire
MM. J. B. Eyries et Malte Brun
Tome IX
Paris
1821

3 - Nouvelles annales des voyages
Et des sciences geographiques
Neuvieme annee
Janv-fev- mars 1827
Tome 33 de la collection
Deuxieme serie
Paris
1827