الدور الغامض للاتحاد السوفيتى فى حرب يونيو 1967

اللواء سمير محمد غانم فى جريده العربى

فى أوائل شهر مايو 1967 عندما زار الرئيس أنور السادات بصفته رئيسًا لمجلس الشعب الاتحاد السوفيتى أخبره المسئولون هناك بوجود حشود عسكرية إسرائيلية على حدود سوريا.. وعندما عاد السادات لـ «مصر» أخبر القيادة السياسية فى مصر عن هذه الحشود.. وتم إرسال الفريق محمد فوزى رئيس الأركان إلى سوريا للتعرف على حقيقة الموضوع واستطلاع الحدود، فلم يجد حشودًا وأبدى المسئولون السوريون دهشتهم قائلين: من أين أتيتم بهذه المعلومات؟!
تم إرسال رسالة إلى سفير مصر فى موسكو السفير مراد غالب لكى يستفسر من القادة السوفيت عن حقيقة هذه الحشود!!.. قام المسئولون السوفيت باطلاع السفير على وثائق وصور جوية توضح هذه الحشود!!.. وإذا كانت وثائق الاتحاد السوفيتى تقول شيئًا والفريق محمد فوزى رئيس الأركان يقول شيئًا آخر بناء على الاستطلاع الشخصى وأخواك القادة السوريين فمن نصدق؟!.. نحن نعرف أن أى وثائق أو صور جوية يمكن فبركتها وتزويرها، كما يتم تزوير أوراق النقد مثلا!!.. كما أن محاولة معرفة حقيقة هذه الوثائق الصادرة من الجهة التى أصدرتها عملية معقدة جدًا بل مستحيلة!!.. وعلى ذلك من يدعى أن لديه أى وثائق أن يثبت أنها صادرة من الجهة الأصلية أو أنها غير مدسوسة أو مزورة سواء كانت صادرة من جهة معادية أو صديقة أو خليفة!!.. أقول ذلك بمناسبة موضة الوثائق هذه الأيام!!
قامت مصر بعد ذلك بحشد قواتها فى سيناء وطرد القوات الدولية التى كانت موجودة بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وتم إغلاق خليج العقبة مما وضع المنطقة على حافة الحرب.. وقد يكون الدافع الأساسى لذلك هو كثرة نقد بعض الدول العربية لـ «مصر» لسماحها بمرور السفن الإسرائيلية فى خليج العقبة بعد انتهاء أزمة السويس عام 1956.
أثناء زيارة السيد شمس بدران وزير الحربية لـ «موسكو» قبل 5 يونيو أوحى إليه المسئولون السوفيت بأن الاتحاد السوفيتى سوف يقف بجوار مصر إذا تعرضت للعدوان!!
الإمكانات التى كانت متاحة لدى الاتحاد السوفيتى، إذ كان لديه جهاز مخابرات الـ K.G.B وكان من بين أكفأ أجهزة المخابرات فى العالم، وكان لديه سفارة فى إسرائيل وملحق عسكرى وحزب شيوعى يدين بالولاء لـ «موسكو» وأجهزة اتصال.. هذه الإمكانات تجعله على علم بصفة مؤكدة أن مصر ستضرب فى صباح 5 يونيو 1967!!.. علما بأن سفارات دول إفريقية صغيرة لا يقارن إمكاناتها بإمكانات الاتحاد السوفيتى علمت بذلك!!
عندما أيقظ السفير السوفيتى الرئيس جمال عبدالناصر فى الفجر وطلب منه عدم البدء فى الهجوم وأوحى إليه بأن هناك حلا سياسيا فى الطريق أوجد حالة من الاسترخاء العسكرى وتراجع درجة الاستعداد للحرب بدليل سفر المشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة بطائرة فى نفس يوم 5 يونيو (الذى سبق أن حذر الرئيس عبدالناصر عند اجتماعه بالضباط) إلى سيناء وترك قادة الوحدات فى سيناء وحداتهم وتوجهوا لاستقبال المشير عند هبوط الطائرة!!.. ليست هذه تصرفات دولة مقبلة على حرب أو احتمال نشوب حرب!!.. كما أكملت أمريكا حلقة الخداع عندما أعلنت استعدادها لاستقبال السيد زكريا محيى الدين يوم 5 يونيو!!
السيد الوزير مراد غالب جاء فى مذكراته التى نشرت فى جريدة «الأهرام» بتاريخ 61/1/1002 أنه قال: «فى أول لقاء بعد هزيمة يونيو فى موسكو مع چيكوب مالك نائب وزير الخارجية السوفيتية وخبراء من اللجنة المركزية ومسئولين عن الشرق الأوسط قلت لهم هل كنتم تعرفون أن إسرائيل ستهاجمنا؟.. وإذا كنتم تعرفون فلماذا لم تخبرونا؟.. وإذا كنتم لا تعلمون فهذه كارثة أعظم!!.. أنتم الذين طلبتم منا ألا نبدأ العمليات العسكرية، وبذلك تعرضنا لضربات الهجوم.. فأنتم إذن مسئولون هنا!!
هل هناك شك فى تورط الاتحاد السوفيتى عن عمد فى إلحاق الهزيمة بـ «مصر» فى 5 يونيو 1967؟!.. الذين يقولون إنه لم يكن متورطًا ولم يكن يعلم بالهجوم الإسرائيلى يستهين بعقولنا!!
إن ما حدث فى 5 يونيو هو هزيمة لم يتح للقوات المسلحة المصرية القتال فيها بل وتم تكتيفها وشل حركتها من خلال مؤامرة قامت بها أقوى دولتين فى العالم فى ذلك الوقت!!.. هناك من يفتى بما لا يعلم ويقول إن ما حدث لـ«مصر» هو نكسة ومرة أخرى وكسة!!.. وكأن مصر هى أول أو آخر دولة منذ بدء الخليقة تتعرض لهزيمة!!.. أعتقد أننا لم ننس هزيمة إنجلترا وفرنسا فى بداية الحرب العالمية الأولى، وكذلك هزيمتهما فى بداية الحرب العالمية الثانية واحتلال فرنسا وكذلك ما حدث للقوات البريطانية التى سحقت فى معركة دنكرك شمال فرنسا، ثم بعد ذلك هزيمة الجيش الألمانى واستسلام ألمانيا فى نهاية الحرب العالمية الثانية!!.. وكذلك خسارة أمريكا معظم أسطولها البحرى فى معركة بيرل هاربر!!.. ثم هزيمة اليابان واستسلامها فى نهاية الحرب العالمية الثانية بعد أن كانت تحتل معظم دول آسيا!!.. إلخ. فى التاريخ البشرى تعرضت دول كثيرة لهزائم وانتصارات!!
بعد 6 سنوات من هزيمة يونيو1967 من كان يصدق أن مصر تقوم باقتحام خط بارليف الذى أفتى الصديق السوفيتى أنه لا يتم إلا بالقنبلة الذرية فى ملحمة أسطورية رائعة تليق بعظمة الجيش المصرى ولقنت إسرائيل درسًا لن تنساه ولولا مساندة ماما أمريكا لتمت إزالة إسرائيل من الوجود.
أقول لهواة جلد الذات الذين يفتون بما لا يعرفون إن مصر عظيمة دائمًا بأبنائها وقواتها المسلحة الباسلة خير أجناد الأرض.